يسألونك عن كورونا أيان منتهاها؟!

يسألونك عن كورونا أيان منتهاها؟!.

بقلم عبدالله أطويل أستاذ مادة علوم الحياة والأرض

تميز تاريخ البشرية قديمه وحديثه بحضور وازن للأوبئة والنكسات البيولوجية في فترات عدة وخلال حقب متعددة، وهذه أمور يؤكدها المتخصصون في هذا الشأن، فحين تقلب بين أخبار التاريخ ستجد عن نبأ الطاعون ما يغنيك. المتأمل في هذه الجوائح التي ضربت وركلت بين الفينة والأخرى، يتبين له أن الفيروسات والأوبئة les épidémies بل حتى الجوائح les pandémies، مهما طال عمرها وكيفما توسعت وامتدت جغرافية تفشيها، فلا بد لها من نهاية وتمسي في خبر كان. هذا ما تميزت به كل الفيروسات والأوبئة على امتداد تاريخ البشرية، وسميت في عهود سابقة بإسم الطاعون، وهذه تسمية تساوي في مدلولها كلمة وباء.
نقتصر زمنيا فقط على القرن الأخير، لنستحضر على سبيل التذكير الافلونزا الإسبانية في بداية القرن العشرين أو سارس Corona Sars بإسبانيا، ومرس corona mers أو متلازمة الشرق الأوسط بالسعودية ومن لف لفها من دول الخليج خلال سنة 2012، ثم فيروس ايبولا Evolavirus الذي ميز الغرب الإفريقي نهاية سنة 2014 وبداية سنة 2015، أيضا NL63 و NKU1 كل هذه الفيروسات المذكورة وغيرها، ظهرت وانتشرت وكانت لها نهاية حتمية، وإن كان الاختلاف في حجم الضرر ورقعة الانتشار ومدته، فكل هذه الأوبئة انتهت.

كورونا فيروس corona virus sars 2 أو كورونا حسب الإسم المتداول بين العامة والخاصة حاليا، يصنف علميا ضمن عائلة Corona Virus (الفيروسات التاجية) إلى جانب Corona Mers و Corona Sars، يتفشى حاليا في كل بقاع وأصقاع العالم وينتشر متزمِّلا معه مرض كوفيد 19، حتى صنفته منظمة الصحة العالمية OMS بشكل رسمي جائحة Pandémie، نظرا لاجتياحه أغلب بقاع العالم مسجلاً حضوره في كل القارات. كورونا بدوره لم ولن يخرج عن هذه المسلمات التاريخية أو القواعد العامة للفيروسات والأوبئة، إذن فهو مثل جميع الأوبئة السابقة لا بد له من نهاية.

إذا ما تركنا النظرات السطحية للفيروسات من الجانب التاريخي، وبنية الغوص في المعرفة العلمية الدقيقة حتى وإن كانت في الأعماق اللجية، فكتب علم الفيروسات la virologie ومعاجمها غزيرة حد الثمالة العلمية في معرفة أصناف معينة من الفيروسات، وفي الآن نفسه فقيرة مقدار العوز بل قدر العجز في فك طلاسيم فيروسات أخرى، المبحر بين ثنايا ما جاد به العلم في هذا الفرع من البيولوجيا يمكن له أن يخرج بخلاصتين أساسيتين حول سبل محاربة الفيروس وحصر تفشي الأوبئة.

أولهما حول الكيفية الكفيلة بإبادة الفيروس في أول ظهوره، والحل هنا ليس إلا إيجاد لقاح ضروس أو مصل فعال يوقفه عند حده. ولحد ساعة كتابة هذه الأسطر يبدو أن العلم بعلمائه والطب الحديث بخبرائه مايزال عاجزا عن بلوغ ذلك. وإن كان الصراع المحمود على أشده بين كبيريات المختبرات الغربية أوروبية وأمريكية كانت إلى صينية واسترالية، أما العرب ومع كامل الأسى والأسف فذكرهم هنا في غير محله لأن الحديث هنا عن إنتاج عقلي علمي لا عن استهلاك بطني. في ظل غياب لقاح أو مصل رادع لهذا الفيروس، فهذا يعني أن العلم المختص على الأقل إلى حدود اليوم لم يحط بالفيروس علما وإلماما شاملاً، ولو كان عكس ذلك لكان المصل جاهزا. “نصف النصر أن تعرف خصمك أكثر من معرفتك بنفسك”، هذه مقولة سبق وقالها خالد بن الوليد في سياق حربي، إلا أننا نستحضرها اليوم لأنه فعلا لو اتفق بشر الأرض على عدو يجابهونه لأجمعوا متفقين على هذا الفيروس.

ثانيهما يبدأ من حيث عجز الأول وهي حالة العالم اليوم مع فيروس كورونا وما سببه من جائحة covid 1_9، قواميس علم الأوبئة في هذا الباب لا تضيف لك زيادة غير توصيات الحجر الصحي لمحاصرة الوباء وتدابير الوقاية.
مع الجائحة “الكورونية” دخل جل العالم في حجر صحي، والمغرب لم يكن استثناءا بل استنفر مبكراً في تشميع حدوده البرية والبحرية والجوية، وجمد جل الأنشطة بل أعلن حالة طوارئ صحية ممتدة إلى غاية 20 أبريل 2020، وذلك تدبيراً لحجر صحي شبه كامل، الحديث عن الحجر الصحي هو حديث عن إجراء تكون فيه المسؤولية ملقاة على كل فرد من المجتمع يتساوى فيها الحاكم والمحكوم بصغيره وكبيره، وبما أن المسألة جماعية فالنجاح والنجاعة تتطلب درجة عالية من الوعي والنضج من أجل انخراط كلي.

إذا ما سأل سائل عن كم من الوقت كفيل بتخليص البلاد والعباد من كوابيس كورونا؟ فالإجابة هنا لا تغدو ان تكون أكثر من الحث على الالتزام التام بتعاليم الحجر الصحي كحل وحيد لمجابهة الوباء وحصره، مرتبطة هذه المدة أساسا بمدى نجاعة الحجر الصحي، بل هذه النجاعة تسهل على البلاد محاصرته وفي أقل وقت ممكن، هنا في الحالة المثالية قد نتحدث عن ثلاثة أسابيع في أحسن الأحوال.
فالحجر الصحي المثالي ستكون نتيجته الحتمية محاصرة تفشي الفيروس وبالتالي تراجع عدد الإصابات اليومية يوما بعد يوم وهذه نتيجة مضمونة ولا مجال هنا للشك شريطة الانخراط المسؤول والالتزام التام بالعزل والحجر الصحيين، ومن تم يكون الاتجاه أمكن نحو العودة للحياة الطبيعية.
منذ الأيام الأولى من الحجر الصحي أبان جل المغاربة شعبا ودولة عن حس وطني منقع النظير ووعي عالٍ، وبدى ذلك جليا من خلال كل أشكال التضامن والتلاحم بين كل فئات المجتمع، ومدى وعيهم والتزامهم بخطورة الوضع وإدراكهم لضرورة إنجاح هذه التدابير وإخراج البلاد لبر الأمان وبأقل الأضرار الممكنة.
لكن المخزي والمؤسف هو أن تخرج فئة من المارقين والخوارج متمردة غير آبهة بل مسفهة لتعاليم الحجر الصحي، ولعل من الأمثلة عدة، وصدق من قال لكل طحين نِخالة ونخالة هذا المجتمع تحصيل حاصل لظواهر إجتماعية من الجهل والفقر إلى البطالة والايديو_تدين وما إلى ذلك، ويمكن أن نزعم ومن دون الحاجة لتأكيد أن هذه من مظاهر النتائج المباشرة أو الغير مباشرة لتعليم يئن من الأوجاع مند الاستقلال، وخدمات وأنظمة عمومية تعاني الأعطاب على امتداد عقود، وهشاشة إجتماعية وظروف سوسيو_اقتصادية، وإعلام رديء، وما خفي أعظم من النقط السوداء. زد على ذلك الهفوات الحكومية الفادحة والسياسات القاصرة التي نعيش نتيجتها اليوم. كل هذه التقوب التدبيرية تكالب وأفرزت لنا نفر غير يسير من المجتمع غارق في الجهل حتى النخاع، يأخد الجديات بالهزليات وكأن معادلة جدية الجديات وهزلية الهزليات أضحت مخلولة عليلة.
لم تعد اليوم تهمنا الثروات الطبيعية ولا غير ذلك، بقدر حاجتنا لوعي مجتمعي أظهرت كورونا أنه أمر يعاد فيه النظر. في هذه الظرفية الحساسية مثل هذه الخروقات والسلوكات اللامسؤولة من شأنها أن تملأ البرميل بارودا وتجر البلاد إلى ما لا يحمد عقباه. وما لا يحمد عقباه هنا هو وقوع أسوأ السيناريوهات، إنها الهاوية بعينيها ولسانها وشفتيها، التي لا حول لهذا البلد ولاقوة له بذلك، لهذا من الواجب تجنب هذا السيناريو بأي ثمن كان، حتى لا نجد البلد يعيش حالة بلدان تعد مضرب المثل في الأنظمة الصحية الصلبة ومع ذلك ضاقت درعا من حنظل كورونا، وما مَثَل إيطاليا وإسبانيا وأمريكا ببعيد، هؤلاء استهترو في أول الأمر حتى كلفهم دفع فاتورة جائحة تكسر عظامهم اليوم كل مكسر وتنهشهم فردا وزمرا.

بالمختصر المفيد تجاوز أزمة كورنا وما يرافقها من وباء كوفيد 19، يتطلب بل يستوجب تواجد مجتمع واعي متزن وسوي ينخرط بقناعات راقية في اجراءات وتدابير احترازية لتجاوز الأزمة، ومن تم يكون من الأمكن إعادة التفكير بل ترتيب الأوراق تخطيطا ورؤية لمستقبل فيه الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ليس شعارا، بل نهوض ورقي مرماه وطن يتسع للجميع.


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني