فضائحنا !

       في الوقت الذي يتواصل فيه اللغط هذه الأيام حول فضيحة الحساب الوهمي “حمزة مون بيبي”، التي مازالت حلقاتها تشغل الرأي العام الوطني وتجاوز صداها حدود البلاد عبر مختلف وسائل الإعلام. وهي الفضيحة التي تم بموجبها اعتقال عدد من الأشخاص وإدانة أحدهم، ومثول الفنانة دنيا باطمة وشقيقتها ابتسام أمام قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بمراكش، التي قررت في حقهما أداء كفالة مالية وعدم السماح لهما بمغادرة التراب الوطني للاشتباه في تورطهما، لاسيما أن التهم ثقيلة تتمحور حول الابتزاز والتهديد والنصب والاحتيال وتشويه سمعة فنانات والمساس بالحياة الخاصة لمشاهير ورجال أعمال. فإذا بفضيحة أخرى تطفو على السطح لا تقل إثارة عن سابقتها.

      ففي 16 يناير 2020 تفجرت في وسائل الإعلام التركية فضيحة مدوية، إثر إقدام السلطات على ضبط حوالي ثلاثة آلاف مواطنة مغربية في بلدة صغيرة تسمى “كوطايا”، بموازاة مع تفكيك عصابة إجرامية مختصة في الاتجار بالبشر يتزعمها مواطن تركي، استطاع استدراج 600 شابة مغربية، مدعيا القدرة على تزويجهن من مواطنين أثرياء وشباب في منتهى الحيوية والعطاء، مقابل عمولة قدرت بخمسة ملايين سنتيما للواحدة. وهو ما أثار حفيظة عدد من الشباب المغاربة، الذين عوض توجيه الاتهام مباشرة إلى الجهات المسؤولة عن هذا الوضع الكارثي الذي بتنا نتخبط فيه جميعا، اكتفوا بصب جام غضبهم على هؤلاء الفتيات في مواقع التواصل الاجتماعي، لشعورهم بالغبن أمام هذه المذلة الشنيعة، دون أن يجشم أحد منهم نفسه عناء السؤال عن مصادر تلك الملايين من السنتيمات، التي قمن بتوفيرها وسط أوضاعهن المزرية، رغبة منهن في إنقاذ أنفسهن وأسرهن من ضنك العيش.

      وسواء كانت هذه الفضيحة ثابتة أم مجرد إشاعة مغرضة، يروم من خلالها أصحابها القيام بالمزيد من تأجيج نيران الاحتقان والإساءة إلى المغرب، فإنها تميط اللثام عن واقع بئيس أضحى مكشوفا أمام الجميع، ولا يمكن لأي كان مهما بلغت حنكته في تزييف الحقائق التستر عنه. ويتجلى ذلك في الرغبة الجامحة التي أمست تستوطن عقول الكثير من المواطنات والمواطنين المغاربة في مغادرة أرض الوطن، بحثا عن وطن ثان يمنحهم فرصا أخرى للعيش الكريم، وتخرجهم من دائرة البؤس والشقاء والتهمنيش والإقصاء، معتمدين في ذلك على الهجرة السرية أو الزواج الأبيض وغيرهما من السبل، بعد أن أصبحوا مقتنعين بأنه لم يعد لديهم ما يخسرونه، وغير مكترثين بما قد يعترض تحقيق أمانيهم من مخاطر، حتى لو اقتضى الأمر التضحية بحياتهم والموت غرقا في عرض البحر أو الوقوع في أيدي العصابات الإجرامية المتاجرة في البشر والمخدرات…

      فمن الإجحاف الاعتقاد بأن وقوع تلك الشابات البريئات في شباك أولئك المجرمين الأتراك، يرجع بالأساس إلى طمعهن في الوصول إلى فتيان أحلامهن الذين يشبهون أبطال المسلسلات التركية المدبلجة، إلى جانب ما يمكن أن يضمنه لهن بلد “أردوغان” من حقوق في التعليم والصحة والأمن… إذ أن الدافع الأساسي لهن ولكثير من الشبان المغاربة الذين يركبون مخاطر الهجرة، يعود إلى استفحال البطالة وعجز الاقتصاد الوطني عن خلق فرص شغل كافية وملائمة للعاطلين، وتدني أجور الأجراء والموظفين، مما ترتب عنه حالة من القلق في صفوف الكثير من الشباب، وساهم في تنمية مشاعر الإحباط والاستياء لديهم، دون أن تكون الحكومات المتعاقبة قادرة على التصدي للتوتر الاجتماعي، والسهر على الحد من معدل البطالة وتحسين ظروف عيش الطبقات الفقيرة والمتوسطة.

      ولا غرو أن ينضاف إلى ارتفاع نسبة الفقر والأمية والبطالة تزايد أعداد العازفين عن الزواج، في ظل تأزم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، لدرجة أصبحت حياة العزوبية مسألة مؤرقة لعديد الأسر، التي باتت تتخوف على مستقبل بناتها، وهناك فئة من الشباب  تتوجس من خوض هذه التجربة غير المحسوبة العواقب… غير أن الجانب المادي يظل أحد أبرز المعيقات لدى الكثيرين. 

      فأين الحكومة والبرلمان من التعليمات الملكية الصارمة التي ما انفكت توصي بضرورة بلورة سياسة مندمجة، تقوم على التكوين والتشغيل وتكون قادرة على اجتراح الحلول الواقعية لمشاكل الشباب، الذين يشكلون ثلث سكان المغرب، والانكباب على معالجة أوضاعهم المتردية، والعمل على إعداد مخططات تنموية، تساهم في تفجير طاقاتهم وتوفر لهم فرص الشغل والدخل القار، وتضمن لهم الاستقرار والانخراط في تحريك عجلة التنمية؟

      إن معضلتنا الكبرى ومصدر تعاسة بنات وأبناء شعبنا، ليست سوى استفحال ظاهرة الفساد التي ترهن بلادنا وتحول دون تحقيق التنمية المرجوة، وهي التي  تشكل منفذا لهذا الكم الهائل من الفضائح، والتي بدون تكثيف الجهود وتوفر الإرادة السياسية القوية، وإرساء أسس الحكامة الجيدة والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة وتفعيل الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، يستحيل القضاء عليها.

 

 


شارك بتعليقك

شاهد أيضا
اشتراك في القائمة البريدية
   

إشترك بالقائمة البريدية لكواليس اليوم لتتوصل بكل الجديد عبر البريد الإلكتروني